العنف القائم على النوع الاجتماعي
عنف الظل: قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد نساء الأنبار... تحديات عميقة وأمل متجدد في ربوع محافظة الأنبار الشاسعة، حيث تلتقي الصحراء بالفرات وتختلط الأصالة بالمعاناة، تواجه النساء والفتيات شكلاً خفيًا من الحروب المستمرة: العنف القائم على النوع الاجتماعي (GBV). إنها قضية معقدة متجذرة في الأعراف الاجتماعية والتحديات الأمنية والاقتصادية، تترك ندوبًا عميقة على الأفراد والمجتمع في هذه المحافظة التي عانت ويلات الصراع لسنوات طويلة. جذور الأزمة: تشابك العوامل لا ينبع العنف ضد نساء الأنبار من فراغ، بل هو نتاج تشابك عوامل خطيرة:- الإرث الاجتماعي والقبلي الصارم: تسيطر العادات والتقاليد القبلية المحافظة بشكل كبير على نسيج المجتمع الأنباري. مفاهيم "الشرف" المرتبطة بجسد المرأة وسلوكها، والقيود الصارمة على حريتها في التنقل والتعليم والعمل، تشكل بيئة خصبة لممارسة أشكال مختلفة من العنف (النفسي، الجسدي، الاجتماعي) تحت مبرر "الحماية" أو "السيطرة". الزواج المبكر والإكراهي لا يزالان واقعًا مؤلمًا للكثيرات.
- تداعيات الصراع والنزوح: خلفت سنوات الحرب ضد تنظيم داعش والنزوح الجماعي آثارًا كارثية. تفكك الأسر، فقدان المعيل، الفقر المدقع، والعيش في بيئات غير آمنة (مخيمات أو مناطق مهدمة) جعل النساء أكثر عرضة للاستغلال الجنسي والاقتصادي والابتزاز وزواج القاصرات كوسيلة للهروب من الفقر أو "الحماية".
- ضعف سيادة القانون والحماية: لا تزال مؤسسات إنفاذ القانون وجهاز القضاء في مرحلة إعادة البناء. الخوف من الوصمة الاجتماعية، وعدم الثقة في قدرة هذه المؤسسات على تقديم العدالة أو الحماية الفاعلة، إضافة إلى الضغوط العائلية، تمنع غالبية الناجيات من الإبلاغ عن العنف الذي يتعرضن له. كما أن قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات لا توفر الحماية الكافية في كثير من الحالات المتعلقة بـ "جرائم الشرف" أو العنف الأسري.
- الفقر والبطالة: يعمق الوضع الاقتصادي الصعب من هشاشة وضع المرأة. الاعتماد الاقتصادي على الذكور في الأسرة يجعل الخروج من علاقة عنيفة شبه مستحيل. محدودية فرص التعليم والعمل للنساء تحبسهن في حلقة مفرغة من الضعف والاعتماد.
- الوصمة الاجتماعية والجهل: لا يزال الحديث عن العنف المنزلي أو الجنسي من المحرمات الثقافية. الوصمة المرتبطة بالناجية (وليس الجاني) تثني النساء عن طلب المساعدة. كما أن نقص الوعي بحقوق المرأة وبالخدمات المتاحة (إن وجدت) يمثل عائقًا كبيرًا. أشكال العنف السائدة:
- العنف الجسدي والنفسي داخل الأسرة: الأكثر شيوعًا وغالبًا ما يُبرر تحت مظلة "التأديب".
- العنف الاقتصادي: حرمان المرأة من الميراث، السيطرة على دخلها إن عملت، منعها من العمل أو التعليم.
- العنف الاجتماعي (الحرمان والحجر): تقييد حرية التنقل، التواصل، التعليم، أو اتخاذ القرارات الشخصية.
- الزواج المبكر والإكراهي: لا يزال منتشرًا، خاصة في الأسر الفقيرة أو النازحة.
- التحرش الجنسي والاستغلال: خاصة في أماكن العمل غير الرسمية أو في سياقات النزوح.
- جرائم تُرتكب باسم "الشرف": وإن كانت أقل إعلانًا، إلا أنها تبقى تهديدًا حقيقيًا.
- نقص الخدمات المتخصصة: شح مراكز الإيواء الآمنة للناجيات، ونقص الأخصائيات النفسيات والاجتماعيات والقانونيات المدربات على التعامل مع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة خارج مركز المحافظة.
- ضعف التنسيق: الحاجة إلى تعاون أقوى بين منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، الجهات الحكومية (الصحة، التعليم، الداخلية، القضاء)، والقادة الدينيين والمجتمعيين.
- الأمن الهش: في بعض المناطق، لا يزال الوضع الأمني غير مستقر، مما يعيق وصول الخدمات ويحد من حركة الناشطين/ات والناجيات.
- مقاومة التغيير الاجتماعي: التحدي الأكبر يكمن في تغيير العقلية المجتمعية التي تتسامح مع العنف أو تبرره. وهذا يتطلب جهدًا طويل الأمد في التوعية والحوار المجتمعي. بذور الأمل ومسارات الحل: رغم القتامة، توجد جهود تستحق الدعم:
- تمكين منظمات المجتمع المدني المحلية: فهي الأقدر على فهم السياق وكسب ثقة المجتمع. يحتاجون إلى دعم مالي وفني وتقويض بيروقراطي لتعزيز عملهم في التوعية، تقديم الدعم النفسي والقانوني الأولي، ورصد الانتهاكات.
- تعزيز خدمات الحماية: إنشاء مراكز دعم متكاملة (نفسي، اجتماعي، قانوني، إيواء مؤقت) في مراكز المحافظة والأقضية، مع ضمان خصوصية وأمن الناجيات. تدريب الكوادر النسائية في الشرطة (مثل وحدة حماية الأسرة) والقضاء على قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي.
- الإصلاح القانوني والتطبيق: مراجعة القوانين لضمان حماية أفضل للناجيات ومعاقبة الجناة، مع التركيز على تطبيق هذه القوانين بصرامة وإنصاف.
- الحملات المستدامة للتوعية والتغيير الاجتماعي: استخدام وسائل الإعلام المحلية، المساجد، المدارس، واللقاءات المجتمعية لنشر الوعي بحقوق المرأة، وخطورة العنف، وطرق الإبلاغ الآمنة، وتحديث المفاهيم الخاطئة حول "الشرف" والمرأة. إشراج الرجال والشباب كشركاء في التغيير.
- التمكين الاقتصادي والتعليمي: فتح آفاق تعليمية وعملية أوسع للنساء والفتيات هو حجر الزاوية في كسر حلقة العنف والاعتماد. برامج التدريب المهني والمشاريع الصغيرة المدعومة.
- إشراك القيادات المؤثرة: التعاون مع شيوخ العشائر، الأئمة، والمعلمين/ات ذوي/ات الفكر المستنير ليكونوا سفراء للتغيير داخل مجتمعاتهم.
المصدر: د. عصام موسى