Skip to main content

ضحايا الإرهاب ومأساة التعويض المُعلق: لماذا يظل القانون رقم ٢٠ لسنة ٢٠٠٩ حبراً على ورق؟

مرت سنوات طويلة على رحيل موجات الإرهاب الدامية التي اجتاحت أجزاءً واسعة من البلاد، تاركةً وراءها دماراً مادياً ومعنوياً هائلاً. وسط أنقاض الدور المهدمة والذكريات الأليمة، وقف أبناء المناطق المتضررة ينتظرون تطبيق وعد العدالة والتعويض الذي كفله لهم قانون رقم ٢٠ لسنة ٢٠٠٨ (تعويض المتضررين نتيجة الأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية). ولكن، وبعد ما يقارب العقد ونصف العقد من صدور القانون، لا تزال آلاف الملفات حبيسة الأدراج، وأصحاب الدور المهدمة يتخبطون في متاهات الإجراءات البيروقراطية والحجج الواهية.
لقد صدر القانون رقم ٢٠ لسنة ٢٠٠٩ ليكون شمعة أمل للأسر التي فقدت مساكنها وممتلكاتها نتيجة العمليات العسكرية المشروعة ضد الإرهاب، أو نتيجة الأعمال الإرهابية نفسها. ونصت مواده بوضوح على حق المتضررين في التعويض العادل والسريع، معترفاً بالضرر الجسيم الذي لحق بهم وبحاجتهم الماسة لإعادة بناء حياتهم. فقد كفلت المادة (٤) من القانون التعويض عن الأضرار المادية، بما فيها تدمير أو تضرر المساكن (الدور)، بينما حددت المادة (١٠) إجراءات تقديم الطلبات وفحصها.
لكن الواقع المرير يكشف فجوة هائلة بين النص القانوني والتطبيق الفعلي:
  1. التأخير غير المبرر: سنوات من الانتظار الطويل دون قرارات نهائية، رغم اكتمال المستندات المطلوبة في كثير من الحالات.
  2. الحجج المتكررة: لجوء الجهات المعنية إلى حجج متعددة لتأخير أو رفض التعويض، مثل:
    • عدم اكتمال الوثائق: رغم إعادة تقديمها مراراً.
    • عدم وضوح مسؤولية التدمير: رغم أن القانون ينص على التعويض عن الأضرار الناجمة عن العمليات العسكرية أو الإرهابية.
    • الروتين الإداري المعقد: تعقيد الإجراءات وطول مراحل الفحص والتدقيق دون مبرر.
    • مطالبات بوجود نزاعات على الملكية: والتي يمكن حسمها بطرق قانونية واضحة دون تعطيل حق التعويض الأساسي.
    • عدم كفاية الاعتمادات المالية: وهي حجة غير مقبولة تجاه حق أساسي كفله القانون.
  3. المعاناة الإنسانية المتواصلة: العوائل التي تدمرت بيوتها تعيش في أوضاع مأساوية:
    • تشرد وفقدان المأوى: السكن في ملاجئ مؤقتة غير لائقة أو الاستئجار بثقل على كاهلهم.
    • أعباء مالية خانقة: تكاليف الإيجار وإعادة البناء المستحيلة دون التعويض.
    • صدمة نفسية مستدامة: استمرار تذكر المأساة مع كل يوم يمر دون تعويض أو إعادة إعمار.
    • حرمان الأجيال: عيش الأطفال والشباب في بيئة غير مستقرة تنعكس سلباً على تعليمهم وصحتهم ومستقبلهم.
  4. إهدار لمبدأ العدالة الانتقالية: تأخير التعويض يناقض مبادئ العدالة ويعيق عملية المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.
مطالباتنا ونداؤنا: نحن، كمتضررين وكمهتمين بالشأن العام، نوجه نداءً عاجلاً إلى كافة الجهات المعنية، وعلى رأسها لجنة التعويضات المركزية المشكلة بموجب القانون، ورئاسة الوزراء، ومجلس النواب العراقي، والمؤسسات الرقابية:
  • الإسراع الفوري: معالجة جميع ملفات تعويض أصحاب الدور المهدمة المتعلقة بالإرهاب والعمليات العسكرية بشكل فوري وشامل.
  • شفافية الإجراءات: توضيح أسباب التأخير في كل ملف على حدة وإبلاغ أصحابها بشكل رسمي وشفاف.
  • تبسيط الإجراءات: مراجعة وتسهيل الإجراءات البيروقراطية المعقدة التي تعرقل صرف التعويضات.
  • توفير الاعتمادات: تخصيص الاعتمادات المالية الكافية والمنتظمة في الموازنة العامة لتنفيذ القانون على الوجه الأكمل.
  • الرقابة والمحاسبة: تفعيل دور الرقابة البرلمانية والمؤسسات الرقابية لمتابعة تنفيذ القانون ومحاسبة المقصرين في تطبيقه.
  • العدالة والكرامة: اعتبار تعويض المتضررين قضية إنسانية وعدالة اجتماعية وأخلاقية قبل أن تكون إجراءً قانونياً. هؤلاء المواطنون دفعوا ثمناً باهظاً من أمنهم واستقرارهم، وحقهم في التعويض وإعادة البناء هو الحد الأدنى من رد الاعتبار.
خاتمة: قانون رقم ٢٠ لسنة ٢٠٠٩ ليس مجرد نصوص جامدة، بل هو تعهد من الدولة تجاه أبنائها الأكثر تضرراً. استمرار تعليق ملفات تعويض أصحاب الدور المهدمة هو انتهاك صارخ لهذا التعهد وإطالة لأمد المعاناة. حان الوقت لتحويل كلمات القانون إلى أفعال ملموسة، ولترجمة العدالة المنشودة إلى تعويض عاجل يُمكّن العوائل المنكوبة من إعادة بناء بيوتها، وبالتالي إعادة بناء حياتهم وكرامتهم. العدالة المتأخرة هي إنكار للعدالة.

المصدر: صحيفة الزمان – طبعة العراق